الأمريكيون اليابانيون يستعيدون الذاكرة الجماعية لمواجهة التمييز وسياسات الإقصاء
الأمريكيون اليابانيون يستعيدون الذاكرة الجماعية لمواجهة التمييز وسياسات الإقصاء
شهدت المقاومة داخل المجتمعات الأمريكية من أصول يابانية تصاعدا ملحوظا تجاه سياسات الهجرة المتشددة في الولايات المتحدة، خصوصًا تلك المنسوبة إلى الخطاب السياسي الذي يُحمّل المهاجرين مسؤولية أزمات وطنية ويعيد إنتاج تصنيفات جماعية تُقارب ما تعرّض له الأمريكيون اليابانيون خلال الحرب العالمية الثانية.
ووصفت صحيفة "نيويورك تايمز"، في تقرير نشرته اليوم الاثنين، كيفية استحضار مجتمعات كاملة لذاكرة الاعتقال الجماعي الذي وقع عام 1942، باعتباره نموذجًا حيًا يمكن من خلاله مقاومة أي سياسات جديدة تستهدف جماعة على أساس الأصل أو الهوية.
وتعيد الصحيفة الأمريكية سرد مشاهد من برامج تذكارية تُنظَّم في مواقع اعتقال سابقة، حيث يتخذ أفراد من الجيلين الثاني والثالث موقفًا حقوقيًا واضحًا يربط بين التجربة التاريخية والتهديدات الحالية، كما أبرزت كيف يصرّ المشاركون في هذه الفعاليات على التشديد بأن ما حدث في الماضي ليس مجرد فصل تاريخي، بل تحذيرا حقوقيا من إمكانية تكرار الانتهاكات عندما يُسمح للدولة باتخاذ إجراءات استثنائية بلا رقابة.
وتتابع الصحيفة وصفها لمشاهد من هذه اللقاءات، حيث يقف أبناء المعتقلين السابقين ليحكوا قصصًا شخصية توضح العواقب الملموسة لسياسات التمييز، مؤكدين أن استهداف جماعات بعينها يفتح الباب أمام إضفاء الشرعية على انتهاكات واسعة للحقوق الأساسية.
نشاط حقوقي متزايد
أوردت الصحيفة شهادات تؤكد أن "الخوف من التكرار" يحرّك نشاطًا حقوقيًا متزايدًا لدى الأمريكيين اليابانيين، وخاصة مع بروز الخطاب السياسي الذي يدعو إلى "الفرز" أو"التدقيق" بناءً على الأصل القومي.
ومن جانبها، تناولت صحيفة "جابان تايمز" صدى هذا الحراك داخل اليابان نفسها، حيث يتفاعل أفراد من عائلات يابانية مع الخطاب الأمريكي باعتباره امتدادًا لما تعرّض له أسلافهم، وتوثّق الصحيفة كيف تستعيد عائلات كاملة التجربة المشتركة التي عاشها أقاربهم في معسكرات الاحتجاز، ليس فقط كواقعة تاريخية، بل كحجة حقوقية تُستخدم اليوم للدفاع عن حقوق الأقليات والمهاجرين.
وتشير الصحيفة اليابانية إلى أن خطر تكرار الاعتقال الجماعي يظهر بوضوح في ذاكرة تلك العائلات، التي ترى في تصريحات سياسية معاصرة ما يعيد إلى السطح لغة "الأمن القومي" التي استُخدمت خلال الحرب العالمية الثانية لتبرير انتهاكات واسعة، كما تبرز كيف تتحول الرواية العائلية إلى فعل سياسي، حيث يسعى الأقارب -حتى في اليابان- إلى دعم الجهود الحقوقية الأمريكية التي تهدف إلى منع أي سياسات تستهدف الناس على أساس الأصل أو الانتماء.
وتسجل "جابان تايمز" مشاهد من تجمعات في اليابان يعرض فيها أفرادٌ صورًا وموادَ أرشيفية تخص أقاربهم الذين عاشوا تجربة الاعتقال، مؤكدين أن التضامن العابر للحدود يصبح ضرورة حقوقية عندما تظهر إشارات إلى إمكانية تكرار انتهاكات مشابهة، وتوضح أن هذه الحركة العابرة للأجيال تسعى لحماية حقوق المهاجرين والأقليات وإبقاء الأمن القومي ضمن حدود الإطار الحقوقي الدولي.
الإرث الشخصي والعائلي
وتضيف KQED -وهي منصة أمريكية تهتم بالقضايا الاجتماعية والحقوقية- بُعداً محلياً مباشراً لهذه الحركة، إذ تستعرض كيف تجمع منظمات ونشطاء من أصول يابانية في كاليفورنيا قواها للتصدي لأي إجراءات ترسّخ التمييز، وتبرز المنصة كيف يُستخدم الإرث الشخصي والعائلي المعاش كوسيلة ضغط سياسي ضد السياسات التي تستهدف المهاجرين.
توثّق KQED شهادات لأحفاد معتقلين سابقين يوضحون فيها أن خوض معركة حماية الحقوق ليس اختيارًا، بل مسؤولية تاريخية فرضتها التجربة الجماعية.
وتعرض قصصًا لأفراد شاركوا في تنظيم فعاليات تذكارية تُحاكي الظروف التي عاشها المعتقلون اليابانيون الأمريكيون في الأربعينيات، حيث يشدد المشاركون على الربط المباشر بين الماضي والحاضر، مؤكدين أن الاعتقال الجماعي لم يكن نتيجة ضرورات أمنية فعلية بل سياسات قائمة على الخوف والتمييز.
وتبرز KQED كيف يقاوم أبناء الجيل الجديد أي خطاب سياسي يبرر التضييق على الحريات باسم الأمن، مؤكدين أن التجربة تستدعي الاستنفار الحقوقي.
تعمّق التغطيات الثلاثة فهمًا موحدًا لكيفية تحول الذاكرة الجماعية للمعتقلين اليابانيين الأمريكيين إلى قوة حقوقية مؤثرة، حيث تصف "نيويورك تايمز" وKQED مظاهر هذا التحول داخل الولايات المتحدة، بينما توثق "جابان تايمز" صداه داخل اليابان، مما يبرز تكوين شبكة تضامن ممتدة تتجاوز الحدود الجغرافية.
وتشير التقارير الثلاثة إلى أن النموذج الحقوقي الذي يتشكّل اليوم يعتمد على إعادة قراءة الماضي كأداة دفاعية ضد الحاضر، وتوضح أن الذاكرة ليست مجرد إرث ثقافي، بل وسيلة ضغط سياسي تهدف لمنع تكرار الانتهاكات، ولإجبار صناع القرار على ربط السياسات الأمنية بالمعايير الحقوقية الدولية.











